فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (33- 36):

{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}
{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} أي: أعطت كل واحدة من الجنتين {أُكُلَهَا} ثمرها تاما {وَلَمْ تَظْلِمْ} لم تنقص {مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا} قرأ العامة بالتشديد وقرأ يعقوب بتخفيف الجيم {خِلالَهُمَا نَهَرًا} يعني: شققنا وأخرجنا وسطهما نهرا. {وَكَانَ لَهُ} لصاحب البستان {ثَمَرٌ} قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب {ثَمَرٌ} بفتح الثاء والميم وكذلك: {بثمره} وقرأ أبو عمرو: بضم الثاء ساكنة الميم وقرأ الآخرون بضمهما.
فمن قرأ بالفتح هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة.
ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف جمع ثمار. وقال مجاهد: ذهب وفضة وقيل: جميع الثمرات.
قال الأزهري: الثمرة تجمع على ثَمَر ويجمع الثمر على ثِمار ثم تجمع الثمار على ثُمُر.
{فَقَالَ} يعني صاحب البستان {لِصَاحِبِهِ} المؤمن {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يخاطبه ويجاوبه: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أي: عشيرة ورهطا. وقال قتادة: خدما وحشما. وقال مقاتل: ولدا تصديقه قوله تعالى: {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا} [الكهف- 39]. {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} يعني الكافر أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به فيها ويريه أثمارها {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بكفره {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ} تهلك {هَذِهِ أَبَدًا} قال أهل المعاني: راقه حسنها وغرته زهرتها فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث. فقال: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} قرأ أهل الحجاز والشام هكذا على التثنية يعني من الجنتين وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ الآخرون {مِنْهَا} أي: من الجنة التي دخلها {مُنْقَلَبًا} أي: مرجعا.
إن قيل: كيف قال: {ولئن رددت إلى ربي} وهو منكر البعث؟
قيل: معناه ولئن رددت إلى ربي- على ما تزعم أنت- يعطيني هنالك خيرا منها فإنه لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها.

.تفسير الآيات (37- 40):

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)}
{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ} المسلم {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} أي خلق أصلك من تراب {ثُمَّ} خلقك {مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا} أي: عدلك بشرا سويا ذكرا. {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} قرأ ابن عامر ويعقوب: {لكنا} بالألف في الوصل وقرأ الباقون بلا ألف واتفقوا على إثبات الألف في الوقف وأصله: لكن أنا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف لكثرة استعمالها ثم أدغمت إحدى النونين في الأخرى قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه: لكن الله هو ربي {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} أي: هلا إذ دخلت جنتك {قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ} أي: الأمر ما شاء الله. وقيل: جوابه مضمر أي: ما شاء الله كان، وقوله: {لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} أي: لا أقدر على حفظ مالي أو دفع شيء عنه إلا بإذن الله.
وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ثم قال: {إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} و{أنا} عماد ولذلك نصب أقل معناه: إن ترني أقل منك مالا وولدا فتكبرت وتعظمت علي. {فَعَسَى رَبِّي} فلعل ربي {أَنْ يُؤْتِيَنِي} يعطيني في الآخرة.
{خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} أي: على جنتك {حُسْبَانًا} قال قتادة: عذابا وقال ابن عباس رضي الله عنه: نارا. وقال القتيبي: مرامي {مِنَ السَّمَاءِ} وهي مثل صاعقة أو شيء يهلكها واحدتها: حسبانة {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل: تزلق فيها الأقدام وقال مجاهد: رملا هائلا.

.تفسير الآيات (41- 44):

{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء والغور: مصدر وضع موضع الاسم مثل: زور وعدل {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} يعني: إن طلبته لم تجده. {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي: أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها {فَأَصْبَحَ} صاحبها الكافر {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} أي: يصفق بيده على الأخرى ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ} أي ساقطة {عَلَى عُرُوشِهَا} سقوفها {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} قال الله تعالى: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ} جماعة {يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يمنعونه من عذاب الله {وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} ممتنعا منتقما أي: لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل: لا يقدر على رد ما ذهب عنه. {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} يعني: في القيامة قرأ حمزة والكسائي {الولاية} بكسر الواو يعني السلطان وقرأ الآخرون بفتح الواو من: الموالاة والنصر كقوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا} [البقرة- 257] قال القتيبي: يريد أنهم يولَّونه يومئذ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون.
وقيل: بالفتح: الربوبية وبالكسر: الإمارة.
{الْحَقِّ} برفع القاف: أبو عمرو والكسائي على نعت الولاية وتصديقه قراءة أبي: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} وقرأ الآخرون بالجر على صفة الله كقوله تعالى: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام- 62].
{هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا} أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب {وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي: عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة: طاعة قرأ حمزة وعاصم {عقبا} ساكنة القاف وقرأ الآخرون بضمها.

.تفسير الآيات (45- 46):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا (46)}
قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ} يا محمد أي: لقومك {مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} يعني: المطر {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ} خرج منه كل لون وزهرة {فَأَصْبَحَ} عن قريب {هَشِيمًا} يابسا قال ابن عباس وقال الضحاك: كسيرا والهشيم: ما يبس وتفتت من النباتات فأصبح هشيما {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} قال ابن عباس: تثيره الرياح وقال أبو عبيدة: تفرقه. وقال القتيبي: تنسفه {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} قادرا. {الْمَالُ وَالْبَنُونَ} التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء {زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ليست من زاد الآخرة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة وقد يجمعها الله لأقوام.
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} اختلفوا فيها فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الكلام أربع كلمات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنفي أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن الحيري أخبرنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل الهاشمي أنبأنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس».
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار أنبأنا حميد بن زنجويه حدثنا عثمان عن أبي صالح حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «استكثروا من الباقيات الصالحات» قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «الملة» قيل: وما هي يا رسول الله قال: «التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
وقال سعيد بن جبير ومسروق وإبراهيم: {الباقيات الصالحات} هي: الصلوات الخمس. ويروى هذا عن ابن عباس.
وعنه رواية أخرى: أنها الأعمال الصالحة وهو قول قتادة.
قوله تعالى: {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} أي جزاء المراد {وَخَيْرٌ أَمَلا} أي ما يأمله الإنسان.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {تسير} بالتاء وفتح الياء {الجبال} رفع دليله: قوله تعالى: {وإذا الجبال سيرت} [التكوير- 3].
وقرأ الآخرون بالنون وكسر الياء {الجبال} نصب وتسيير الجبال: نقلها من مكان إلى مكان.
{وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً} أي: ظاهرة ليس عليها شجر ولا جبل ولا نبات كما قال: {فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [طه- 107].
قال عطاء: هو بروز ما في باطنها من الموتى وغيرهم فترى باطن الأرض ظاهرا.
{وَحَشَرْنَاهُمْ} جميعا إلى الموقف والحساب {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ} أي: نترك منهم {أَحَدًا}.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)}
{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} أي صفا صفا فوجا فوجا لا أنهم صف واحد وقيل: قياما ثم يقال لهم يعني الكفار {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني أحياء وقيل: فرادى كما ذكر في سورة الأنعام وقيل: غرلا.
{بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} يوم القيامة يقوله لمنكري البعث.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهب عن ابن طاووس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا».
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان بن المغيرة بن النعمان حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم محشورون حفاة عراة غرلا» ثم قرأ {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء- 104] وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} إلى قوله: {العزيز الحكيم} [المائدة 117- 118].
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن المغلس ببغداد حدثنا هارون بن إسحاق الهمذاني أنبأنا أبو خالد الأحمر عن حاتم بن أبي صغير عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة؟ قال: «عراة حفاة» قالت: قلت والنساء؟ قال: «والنساء» قالت: قلت يا رسول الله نستحي قال: «يا عائشة الأمر أشد من ذلك أن يهمهم أن ينظر بعضهم إلى بعض».

.تفسير الآية رقم (49):

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}
قوله عز وجل: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} يعني: كتب أعمال العباد توضع في أيدي الناس في أيمانهم وشمائلهم وقيل: معناه توضع بين يدي الله تعالى: {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا فِيهِ} من الأعمال السيئة {وَيَقُولُونَ} إذا رأوها {يَا وَيْلَتَنَا} يا هلاكنا والويل والويلة: الهلكة وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ومعنى النداء تنبيه المخاطبين {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} من ذنوبنا. قال ابن عباس: الصغيرة: التبسم والكبيرة: القهقهة وقال سعيد بن جبير: الصغيرة: اللمم واللمس والقبلة والكبيرة: الزنا. {إِلا أَحْصَاهَا} عدها قال السدي: كتبها وأثبتها قال مقاتل بن حيان حفظها.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنبأنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو بن بسطام أنبأنا أبو الحسن أحمد بن يسار القرشي حدثنا يوسف بن عدي المصري حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن أبي حازم قال: لا أعلمه إلا عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب مثل قوم نزلوا بطن واد فجاء هذا بعود وجاء هذا بعود فأنضجوا خبزهم وإن محقرات الذنوب لموبقات».
قوله تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} مكتوبا مثبتا في كتابهم {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي لا ينقص ثواب أحد عمل خيرا.
وقال الضحاك: لا يؤاخذ أحدا بجرم لم يعمله.
وقال عبد الله بن قيس: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما العرضتان: فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة: فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» ورفعه بعضهم عن أبي موسى.